القائد مشعل التمو:القضية الكردية في سوريا بين المسكوت عنه وسكونية أنظمة التسويغ
نص المحاضرةالتي القاها الكاتب الكوردي السوري مشعل التمو و الناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في بلدة السلمية بحضور عدد من المهتمين بالشان العام واغلبية ممثلي الاطر والفصائل السياسية السورية:
التاريخ البشري صيرورة بناء وهدم , عمليتان متلازمتان ومتكاملتان , البداية واضحة وملموسة ولكن النهاية تبقى عرضة لمؤثرات شتى , وفي الغالب لا يمكن توقعها , أو توقع ماذا ستترك من اثر ورائها وفي أي خانة يمكن تصنيف ذاك الأثر , وفيما إذا كان سيصبح تراثا ايجابيا , تربويا , أو سلبيا , مخفيا .
أن قراءة التاريخ ودراسته بمنهجية علمية من خلال الزمن وتداعياته , يعتبر اللبنة الأساس لفهم تداخل وتعاقب وتنوع المجموعات البشرية سواء القاطنة للمنطقة أو العابرة لها , وفي كل الحالات فالأثر الحضاري المتبقي يدل على التراكم المعرفي والوجود الإنساني لتلك الشعوب , وخاصة إذا كانت المنطقة موطنا لتمازج العديد منها , ويبقى الموضوع مرتبطا بنمط التعامل السائد وفيما إذا كان ذو مصداقية واعتبارات إنسانية , أو تغيبيا مستندا على اعتبارات فئوية أو إيديولوجية صهرية , وفي حالة الطمس وتغييب الوجود الإنساني يصبح الحديث عن وجود الأخر المختلف قوميا محفوفا بالكثير من المخاطر من جهة وعرضة للكثير من التصنيفات من جهة ثانية .
أن البحث في الوجود الكردي في سوريا موضوع شائك , لما انتابه من تشويه وتحريف وتعتيم في الفضاء السوري الشعبي والثقافي , وهذا التشويه والتعتيم له الكثير من الأسباب لعل أهمها , انه في ظل نظام الحزب الواحد ذو الفكر الأحادي والمنبت الانوي المشبع بخيلاء الذات , والقابض بجدارة على ناصية المصداقية السكونية , والمستند على إيديولوجيا أصولية قومية يختفي من تعاليمها الاختلاف والتعدد داخل المجتمع أن لم يختفي المجتمع برمته , سواء كان الاختلاف قوميا أو فكري أو ثقافي , , بحكم أن الاستبداد وإنكار الوجود غيب المجتمع السوري بمختلف فئاته وشرائحه السياسية والقومية , وبات هذا المسار صيرورة لها قواعدها الاستثمارية وركائزها المصلحية , لذلك سادت في سوريا ولا زالت الكثير من المغالطات حيال الوجود القومي الكردي في سوريا وبما يتوافق مع إيديولوجيا السلطة ومنظومة مراكز القوى في داخلها , وحتى أمد قريب كان محظورا حتى الحوار الثنائي أو محاولة الفهم المتبادل بين النخب الثقافية والسياسية من كلا القوميتين , وبديهي أن حالة البعد وفقدان الحوار خلق حالة من عدم المعرفة بالأخر , ولعل مثل هكذا لقاءات تعتبر متنفذا مهما لفهم الأخر المتمايز وحجم معاناته والكم الهائل من الغبن الذي وقع عليه , وحتى يمكن أن نتوصل إلى أرضية حوارية تبادلية أجد من المفروض أن استعرض ولو باختصار مناحي القضية الكردية في سوريا وذلك عبر ثلاثة محاور :
– الوجود التاريخي الكردي في سوريا :
– نمط وتجليات التعامل الرسمي مع الواقع الكردي في سوريا :
– تجاذبات الموقف بين الرؤية الرسمية وضبابية المواقف غير الرسمية في راهنية حل المشكلة :
أولا: الوجود التاريخي الكردي في سوريا :
أن المسالة الكردية وعلى حد تعبير الدكتور سعد الدين إبراهيم ” هي الابنة الأكثر تيتما للمسالة الشرقية ” بمعنى هي أحدى نتاجات الإمبراطورية العثمانية وجارتها الصفوية , ومن ثم خضعت لتجاذبات مصالح الورثة الإنكليز والفرنسيين ولكل منهما دوره في التشتيت الذي نلمس راهنا تجلياته في المنطقة ككل .
والأكراد يعتبرهم أغلبية المؤرخين والمستشرقين عبارة عن مجموعة بشرية تنحدر أصولها عرقيا ولغويا من أصول هندو-أوربية , تقطن مرتفعات أسيا الغربية المحصورة بين إيران والعراق وتركيا وسوريا وجنوب أرمينيا (1) , وهذه الدول يعتبر بعضها حديث التكوين جغرافيا كسوريا والعراق , وبعضها امتداد لإمبراطوريات غابرة كتركيا وإيران , وإذا كنا نود التوقف من بين كتلة هذه المواضيع المتعلقة بالمسالة الكردية على مسالة الوجود الكردي في سوريا وتاريخية هذا الوجود , وجب بداية أن ننوه إلى سايكس وبيكو وما فعلاه من تخطيط وتقسيم للمنطقة , أنتج حدود جغرافية سرعان ما اكتسبت الصفة الدولية , رغم أنها لا تخضع ولا تعبر عن الوجود القومي أو الكتل البشرية القاطنة في المنطقة , إنما تم التقسيم وفق منطق المصلحة الاستعمارية وهو ما أوقع قسم من الشعب الكردي ضمن حدود سوريا الحديثة , وسأورد هنا باختصار دون نبشا لغبار التاريخ بعضا من وقائع ودراسات وأدلة وخرائط تاريخية تشير إلى تاريخية الوجود الكردي في هذه المنطقة الجغرافية التي ضمت إلى سورية بفعل ترتيبات السايكس بيكويه ووفقا لمعطيات النظام الدولي آنذاك , والذي اخذ شكله النهائي بعد سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات .
يؤكد معظم الباحثين والمؤرخين أن أجداد الأكراد الأوائل هم خليط من شعوب ” الهوريين والسوباريين والميتانيين والميديين ” ولعل تمازج هذه الشعوب واندماجها معا أوجد الشعب الكردي , أو وفق ما قاله (دافيد مكدويل ) ” أن الشعب الكردي هو كل هؤلاء، في رأيي، والذين لديهم شعور مشترك بانتمائهم إلى الهوية الثقافية الكردية، نتيجة لعيشهم في بيئة واحدة ” .
– أول ذكر للأكراد في القرن الثاني قبل الميلاد وكان باسم ” كردي cyrtii وفي هذا يقول المؤرخ السير سيدني سميث ” أن السوباريون كانوا يقطنون منطقة شمالها بحيرة وان وشرقها كركوك وجنوبها بابل وغربها وادي الخابور ” والسوباريون ذاتهم عرفوا باسم الهوريين في القسم الغربي من نهر الفرات , ودانت لهم السيطرة على القسم الأكبر من سوريا في القرن 18 ق.م , حتى أن المصريين القدماء كانوا يطلقون على سوريا اسم بلاد “هورو “.
– الكاردوخيين الذين تكلم عنهم (زينوفون ) في روايته عن الانسحاب اليوناني عبر كردستان إلى البحر الاسود 401 ق.م حيث واجهوا فرسانه العشرة آلاف وكانوا ذو باس شديد واصفا طريقتهم في القتال .
– العالم هورست كلينكل يقول ” أن الهوريين بدؤوا في الظهور في سوريا منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد .
– عالم الآثار البروفسور جورجيو بوتشيلاني اكتشف أن الآثار التي وجدت في تل موزان قرب مدينة عامودا تعود إلى ملوك الهوريين وان التل المذكور هو ” اوركش ” عاصمتهم ما بين 2300-2500 ق.م , وكانت جبال زاغروس تحدهم شرقا وجبال ماردين شمالا ونهر الخابور غربا.
– في القرن السادس عشر قبل الميلاد بدا اسم الميتانيين كعرق هندو اوربي بالظهور بعد أن أسسوا مملكتهم التي كانت تسمى ” بالمملكة الهورية الميتانية ” والتي دلت الحفريات على أن عاصمتها كانت ” اشي كاني ” الواقعة في موقع تل الفخارية المحاذي لبلدة راس العين , وهي المملكة التي انحصرت بين نهري الفرات غربا والخابور شرقا , وفي امتزاج الهوريون بالميتانيين يقول الدكتور فيليب حتي ” كان الهوريون في هذه المملكة يشكلون أكثرية السكان ولكن الأرستقراطية كانت من الآريين ” والجدير ذكره أن هذه المملكة بلغت أوج قوتها عام 1450 ق.م عندما احتلت عاصمة الآشوريين التي بقيت خاضعة لنفوذ الهوريين من 1450-1375 ق.م , ويقول الدكتور توفيق سليمان ” أن هذه المملكة امتدت من اروافا في مقاطعة كركوك الحالية شرقا وحتى إمارة ” موكيش ” في الجنوب الغربي من حلب ” .
– إمبراطورية ميديا التي سيطرت منذ عام 612 ق.م على كامل المنطقة ويضمنها أيضا منطقة الآشوريين واخترقت حدودها نهر دجلة إلى الشمال من مدينة أكاد , وفي قوس كبير اتجهت شمالا من أشور والموصل ثم بشكل منحني غربا باتجاه شمال سوريا الحالية لتجتاز حدود الإمبراطورية نهر الخابور , مرورا بالقرب من جبل عبد العزيز (جنوب غرب الحسكة ) إلى نهر الفرات غربا.
– الآثار المكتشفة في محافظة الحسكة (تل شاغر بازار-تل براك –تل الفخارية – تل موزان .. الخ ) تؤكد أن هذه المحافظة كانت موطن تاريخيا لأجداد الأكراد من الهوريين والميتانيين , حتى أن منطقة عفرين أيضا لا زالت تحتضن احد أنبياء الهوريين والذي ضريحه قائم ويعرف باسم ” النبي هورو ” .
– بعد ظهور الإسلام واعتناق أغلبية الأكراد له , ساد الدين كجامع لمجموعة الشعوب القاطنة في المنطقة , وتأسست وفقا لذلك إمارات متعددة بعضها يعنينا ومنها :
– أولها الدولة الأيوبية وكانت كل هذه المناطق تحت سيطرتها .
– إمارة جانبولات عام 1607 م , والتي تمركزت في ” كلس ” شاملة جبال الأكراد ومنطقة عفرين برمتها .
– إمارة بدرخان باشا 1812-1848 م , كان مركزها بوطان وشملت ما يعرف اليوم بمنقار البطة وكامل الجزيرة السورية حاليا .
– إمارة إبراهيم باشا الملي والتي امتدت لمسافة 50 كم جنوب بلدة راس العين وحتى نهر الفرات غربا .
– الكاتب الدانمركي كريستين نيوبوهر وزع خريطة حول رحلته عام 1764 م إلى منطقة الجزيرة في سوريا مؤكدا في خريطته تلك على وجود أربعة عشائر كردية هي الملي-الكيكان-الدقورية-الاشيتي , وهذه العشائر لا زالت متواجدة في نفس مناطق سكناها الموضحة في تلك الخريطة .
– الرحالة الفرنسي ” فولني ” في كتابه الصادر عام 1870 توقف مطولا حول العشائر الكردية المتواجدة في جبل الأكراد .
– أول خريطة تضمنت تعريفا بالكورد وبلادهم هي خريطة محمود الغشقري عام 1076 م .
– ب.روندوت في كتابه ” الأكراد في سوريا ” يؤكد بان بعض العشائر مثل الكيكان كان موجودا في المنطقة قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي وإنشاء الدولة الأيوبية , أي قبل عام 1200 م , وهو ما أكده المسعودي في كتابه التنبيه ص 88-89 , علما بان هناك الكثير من المعالم الطبيعية والجغرافية المهمة لا زالت تعرف باسم هذه العشيرة أو تلك .
– روندوت وفي نفس الكتاب السابق يحدد أماكن تواجد الأكراد في سوريا بثلاث مناطق , الأولى من دجلة وحتى الخابور بطول 250 كم وعمق 30 كم , والثانية حول نهر الفرات بطول 60 كم وعمق 5 كم والثالثة كامل منطقة جبل الأكراد قرب حلب .
– احمد مصطفى زكريا في كتابه ” عشائر الشام ” 1917 يقول :… على أن السواد الأعظم من عشائر الأكراد يقطن محافظة الجزيرة ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب نهر دجلة ويتجه نحو الغرب إلى قضاء القامشلي ثم إلى ناحية راس العين ” ويعدد الكاتب أسماء العشائر بالترتيب .ص 658-664 .
– أني ولوران شابري عرضا الكثير من الخرائط التاريخية في كتابهما المعنون باسم ” سياسة وأقليات ” وهذه أحدى الخرائط ص473 :
–
– في كتاب تاريخ العرب الحديث والمعاصر الذي كان يدرس لطلبة الثالث الثانوي الأدبي حتى عام 1976 وردت خريطة واضحة وصريحة تبين الامتداد الكردي في الجزيرة ص 52 :
– أول تقسيم فعلي لكردستان حصل عام 1516 م اثر سلسلة المعارك المذهبية بين العثمانيين والصفويين , حيث بقي قسم تحت السيطرة الصفوية .
بعد اتفاقية سايكس – بيكو لتقاسم وتوزيع التركة العثمانية , قسمت كردستان العثمانية إلى ثلاثة أجزاء , الحق كل جزء منها بدولة حديثة التكوين ومنها الجزء الذي الحق بسوريا , وكان أول ضم لجزء كردي إلى سوريا في اتفاقية سان ريمو 19-26 نيسان عام 1920 بين الفرنسيين والأتراك , أما المناطق الثانية ضمت عام 1921 , وبناء على ذلك خططت الحدود أول مرة في اتفاقية لندن 9/3/1921 , وهذه الاتفاقية عدلت مرتين , المرة الأولى في أنقرة 20-11-1921 والثانية في جوفنان 1926 , رغم ذلك الحدود لم تأخذ شكلها النهائي إلا في عام 1939 عندما وهبت فرنسا لواء اسكندر ون إلى تركيا ومقابل ذلك أقرت تركيا ضم المناطق الكردية الثلاث إلى سوريا , ويمكن في ذلك العودة إلى مطالبات الوطنين السوريين إبان العهد العثماني التي لم تكن منطقة الجزيرة في أي يوم من الأيام من جملة مطالبهم .
اعتقد بان النذر اليسير الذي أوردته عن الوجود التاريخي للشعب الكردي في سوريا يكفي لأي عاقل بان يدرك بأننا لسنا دخلاء على المنطقة أو مجموعة مهاجرين عبروا الحدود خلسة , وإنما نحن جزء طبيعي من المنطقة ومكون فاعل في تاريخها وتمازجها الحضاري , وإذا كانت الجغرافيا السياسية والاستبداد المزمن قد أديا إلى حرماننا لحقوقنا ومحاولة تغييب وجودنا فهذا ليس دليلا على عدم وجودنا كشعب وقضية في سوريا .
ثانيا : نمط وتجليات التعامل الرسمي مع الواقع الكردي في سوريا :
وهذه المرحلة تبدأ منذ الاستقلال عن فرنسا مرورا بالعصر الذهبي الذي عايشته سوريا , حيث انتعش فيه الوعي القومي الكردي في موازاة الوعي القومي العربي , وكانت فيه المواطنة معيارا للتقييم , وكان فيه الانتماء إلى سوريا كدولة لجميع مواطنيها واضحا وملموسا , ويكفي انه خلال هذه المرحلة تأسس أول حزب سياسي كردي في 14/ حزيران / 1957 باسم ” الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا , إضافة إلى العديد من الجمعيات الأهلية متعددة الأهداف والإغراض , وكان فيها الأكراد مثلهم مثل بقية أبناء الشعب السوري من حيث الحق والواجب .
هذه المعادلة الوطنية بدأت بالانهيار منذ اليوم الأول لدولة الوحدة وسيادة مفهوم نقاء العرق كإيديولوجية تبناها أغلبية القومجية العرب , الذين راؤوا الوطن العربي وحدة جغرافية وبشرية كل من عليها هو عربي , وبذلك انكروا وجود الكثير من القوميات الموجودة فوق أرضها التاريخية , وعكس بذلك غلاة القوميين العرب الغبن الذي لحق بهم من العثمانيين والإنكليز والفرنسيين إلى اضطهاد للقوميات المتواجدة معهم في ذات البقعة الجغرافية وتحولوا من شعب مٌضطهد إلى شعب يضطهد غيره من الأقليات الأخرى , في خلط متعمد ومقصود لمجمل المفاهيم والقيم المدنية والإنسانية , ولعل الخلط الأساس الذي زرعته الايدولوجيا الثوروية والقوموية هو الدمج القاصر بين حق الدولة والحق الجغرافي لأي شعب كان , ومعروف أن من أسس بناء الخطاب والفعل القومجي ثنائية التدمير والتآمر , فميزة التدمير التي حملها خربت المجتمع وغيبت العقل واستعبدت الإنسان , وميزة التآمر يخفي من خلالها ما فعلته الميزة الأولى من عمليات هدم سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي , لينتج خطاب التفكك هذا تراكما في الفرقة والتشتت وإنكاراً للقومي المختلف , الذي تزايد خطه البياني مع تبلور الرؤى التاويلية القاصرة للأمة ودورها , وتحويل ذلك التأويل إلى حقيقة وعقيدة فقدت بها أي إمكانية بحثها عن ذاتها الفاعلة , قبل أن تفقد ركائز تطورها ومحددات شخصيتها الثقافية والسياسية وتتحول إلى سلطة استبدادية , قمعية , بقي التسويغ فيها هو العنصر المتداول حاجبا للحقيقة مسوغا لشبكية الأفعال والتخبطات المقصودة واللازمة لديمومة امن الحاكم , وكنتيجة طبيعية لتراكم الفعل الالغائي للآخر جاءت أولى البشائر ” الوباء ” مع الوحدة السورية المصرية التي أينعت استبدادا وإلغاء وإقصاء , وكانت البداية في إلغاء التعددية في المجتمع بكل صورها , وهو ما رفضه آنذاك الحزب الكردي مما أدى إلى حملة اعتقالات مستمرة كان أبرزها في بداية أب 1960 عندما شملت الاعتقالات أكثر من خمسة الاف كردي ومن ضمنهم أغلبية قيادة الحزب الذين عانوا الكثير من القمع والتعذيب وقدموا إلى المحاكمة على أرضية التهمة الأزلية ” اقتطاع جزء من سوريا” ؟ علما أن أقدم وثيقة مطلبيية قدمها بعض المثقفين الأكراد إلى الجمعية التأسيسية السورية في 23/6/1928 كانت تتضمن المطالب التالية :
1- الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية في المناطق الكردية إلى جانب اللغة العربية .
2- أن يكون الموظفين المعينين في المناطق الكردية أكرادا .
3- أن يكون التعليم في مدارس المناطق الكردية باللغة الكردية .
وكانت جمعية ” خويبون ” الثقافية أول إرهاصات الوعي الكردي القومي وأعلن عن تأسيسها في 1927 في مدينة بحمدون اللبنانية وهي الجمعية التي قامت بإصدار العديد من المجلات والجرائد بعدد من اللغات بالإضافة إلى اللغة الكردية ومن تلك المجلات ” هاوار ” التي أصدرها الأمير جلادت بدرخان من دمشق وصدر منها 57 عدد من 1932 إلى 1942 , حتى انه كان هناك إذاعة كردية تبث من لبنان وبقيت من عام 1937 إلى 1946 , كما أن فترة الخمسينات شهدت إنشاء الكثير من المنظمات والجمعيات الكردية الأهلية التي تراوحت مطالبها بين ضرورة توسيع الممارسة الديمقراطية واعتبار الديمقراطية النهج ووسيلة تحقيق الحقوق القومية التي تتضمن الاعتراف باللغة والثقافة الكردية وخصوصية الهوية في إطار الهوية السورية العامة , وهي جملة المطالب التي جسدها أول برنامج سياسي قدمه الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا عام 1957 والتي نصت على :
1- الدفاع عن الوجود القومي الكردي في سوريا .
2- تحقيق الحقوق القومية والثقافية والإدارية في إطار دولة ديمقراطية سورية .
واللافت أن مرحلة الخمسينات وما تلاها من تداعيات أدت إلى تغير في الخريطة السياسية السورية وسيادة احزاب الفرد الواحد والفكر الواحد , احزاب مؤدلجة بوحدانية الرؤية والتمثيل , وكما أسلفت باتت القومية لديها معطى مقدس وغطاء إيديولوجي مصلحي وهو ما خلق ردة فعل طبيعية من لدن قوميات وأقليات المجتمع السوري الأخرى التي باتت خصوصيتها وقوميتها وهويتها الثقافية مهددة بالصهر والإقصاء ولعل هذا ما أوضحه الدكتور نور الدين ظاظا رئيس الحزب الديمقراطي الكردي في معرض رده على سؤال احد المحققين إثناء اعتقاله عام 1960 عن سبب إنشاء الحزب الكردي بقوله ..( .. لان القومية العربية بالشكل الذي ينادي بها حزب البعث وبالنمط الذي يطبقه عبد الناصر هي الفاشية بعينها لان هدفها الأساس هو صهر الأقليات الموجودة في سوريا ) .
أن شكل التعامل الرسمي الالغائي مع الوجود الكردي بدا منذ تشكل وتبلور الأحزاب القوموية التي بدأت بحظر أي شيء كردي سواء التكلم باللغة الكردية على مستوى الشارع والبيت إلى منع الزي الكردي والبدء في تغير الأسماء والمعالم التاريخية الكردية , وتحت ضغط النهوض القومي الكردي في أجزاء كردستان الأخرى بدا رسميا الإعداد لمشروع عنصري , شوفيني تجاه الوجود الكردي في سوريا , وانجز هذا المشروع احد ضباط الأمن السياسي ( محمد طلب هلال ) وكان بعنوان ( دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية ) عام 1962 .
هذه الدراسة التي باتت لاحقا مرتكز التعامل الرسمي كانت تتضمن اثنا عشر نقطة مفصلية يتوجب تطبيقها حتى يتم التخلص من الوجود الكردي في سوريا ولان الدراسة طويلة يمكن إجمال أهم ما ورد فيها من مقترحات ينبغي العمل بها وهي تنحصر في :
1- تهجير الأكراد نحو الداخل السوري وخاصة الخطرين منهم .
2- تجهيل الأكراد وعدم فتح أية مدارس في المناطق الكردية , لان فتح المدارس يخلق فرص للتعلم ذو نتائج معاكسة لما يراد للمنطقة أن تكون .
3- تصحيح سجلات النفوس وشطب ثنائي الجنسية من سجلات السوريين .
4- إغلاق ومنع فرص العمل إمام الأكراد وتضببق حركتهم الاقتصادية وهو ما سيدفع بهم تحت ضغط الحاجة إلى الهجرة بحثا عن العمل وتامين المعيشة .
5- القيام بحملة دعائية كبيرة ضد الأكراد وخطر وجودهم في الوسط العربي وخلق حالة عدائية بين الاثنين .
6- استبدال رجال الدين الأكراد بآخرين عرب , لأنهم يقومون باجتماعات قومية بدل الدينية .
7- ضرب الأكراد بعضهم ببعض .
8- توطين العناصر العربية في المنطقة الكردية وعلى طول الحدود التركية .
9- جعل المنطقة ” منطقة عسكرية ” تكون المهمة فيها توطين العرب وتهجير الأكراد .
10- إنشاء قرى نموذجية للمستوطنين العرب تشابه الكيبوتزات الإسرائيلية مع تسليح سكانها وتدريبهم .
11- التجريد من حق الانتخاب لكل من لا يتقن العربية في المنطقة .
12- السحب والتجريد من الجنسية والهوية السورية من كل كردي يبقى في المنطقة ويرفض الهجرة إلى الداخل السوري.
هذه الدراسة التي اعتمدت من السلطة السورية آنذاك وبدا العمل في تطبيق بنودها أما بشكل مطابق لما ورد من مقترح أو معدل بشكل نسبي , وكانت بداية المسلسل في إصدار المرسوم التشريعي 93 تاريخ 23/8/1962 والقاضي بأجراء إحصاء استثنائي في محافظة الجزيرة ( الحسكة لاحقا ) , الإحصاء الذي تم في يوم واحد 5/10/1962 وتم فيه تجريد 120000 مواطن كردي سوري من هويته وجنسيته السورية من اصل 400000 ألف هم مجمل سكان المحافظة آنذاك , على الرغم من وثائقهم ومستندات مواطنيتهم , حيث تم تقسيم المجردين إلى قسمين الأول سميوا ” أجانب ” ولهم سجلات رسمية في دوائر النفوس , والقسم الأخر سميوا ” المكتومين ” وهم من لم يرد له اسم في سجلات الأجانب ؟ ومن عجائب العقل الشوفيني القومجي انه جعل الأخ مواطنا والآخر أجنبي , أو الأب مواطنا والابن أو الزوجة أجنبية وبالعكس الزوجة مواطنة والزوج أو الابن أجنبيا , حتى أن بعضهم كان في خدمة العلم وقتها ولعل حالة رئيس الأركان السوري توفيق نظام الدين أحدى هذه الحالات الغرائبية , وبذلك بات الكردي أجنبيا في وطنه يولد بشكل غير شرعي ويموت أيضا بشكل غير شرعي , بحكم أن الولادات الناتجة عن الزواج ليس لها أية سجلات رسمية وخاصة إذا كان احد الطرفين مكتوما , بمعنى أن الرجل يظل عازبا وان كان له أولاد , الذين بدورهم لا وجود سجلاتي لهم , والمجردين من الجنسية بشكل عام أما أن يمتلك احدهم هوية حمراء دون عليها أجانب الحسكة , أو شهادة تعريف من مختار الحي أو القرية لا قيمة قانونية لها , وكان هذا الإحصاء بداية كارثة إنسانية لا زالت مستمرة حتى تاريخه , حرم فيها المواطن الكردي من حق التجنس والمواطنة في وطنه ومنع عليه التعلم والعمل والتملك والسفر والزواج والانتخاب والمثول إمام القضاء وحتى النوم في الفنادق ؟ .
هذه الإجراءات التي تتابعت بعد إعلان قانون الطوارىء اثر انقلاب حزب البعث عام 8/3/1963 واستلامه السلطة , حيث تكرست المعاناة الكردية وتتالت المشاريع الشوفينية والقرارات الالغائية للوجود القومي الكردي في سوريا , ونظرا لان المعاناة كبيرة والمأساة الإنسانية ضخمة بحكم المشروع الشوفيني المترامي الأهداف الذي بدا في تطبيقه حزب البعث وهو يحتاج إلى دراسات وأبحاث وكتب مطولة , أود الاكتفاء هنا ببعض أهم القرارات والمراسيم الخاصة بصهر الشعب الكردي واترك إدراك النتائج وكارثيتها للقارىء والمتابع الكريم .
1- تثبيت نتائج الإحصاء الاستثنائي السالف الذكر وتكريس معاناة ضحاياه .
2- توطين واستقدام العرب من محافظة الرقة وحلب بحجة غمر أراضيهم واعطائهم أخصب الأراضي الزراعية في الشريط الحدودي مع تركيا بعرض 10-15 كم وطول 375 كم من الخابور وحتى دجلة ؟ طبعا بعد بناء قرى نموذجية لهم , مع حرمان فلاحي المنطقة عربا وأكرادا من ارض إبائهم وأجدادهم , وهو ما سمي بالحزام العربي الذي بدا عام 1967 وتوقف عام 1977 , وقد أوردت مجلة المناضل العدد 11/منتصف ك الأول عام 1966 الصفحة 12-13 , نص المشروع المقدم من رئيس مكتب فلاحي البعث يحدد فيه خطوات التوطين ومتطلباته وكيفية تهجير الأكراد من الشريط الحدودي ومنعهم من التواصل مع أخوتهم الأكراد على الجانب الأخر من الحدود مع تركيا , أورد فيما يلي البعض من فقراته :
( أن المخاطر التي واجهت وتواجه شعبنا العربي في شمال العراق والتي خٌلقت من قبل الإمبريالية , بدأت تهددنا أيضا منذ بضعة أعوام في محافظة الحسكة أهملتها الحكومات السابقة ولكن تحتاج اليوم إلى حل جذري وصريح … أن حجم القسم الذي ندرسه من الحزام العربي يبلغ حوالي /3001911/ دونم ويمتد من المالكية وحتى حدود محافظة الرقة .. أن أفرادا غير عرب واغلبهم أكراد قد هاجروا إلى هذه المنطقة من تركيا والعراق وفقا لخطة تؤيدها وتشجعها الإمبريالية … ولان المنطقة واقعة بالقرب من الحدود التركية والعراقية المأهولة بالأكراد وهم مطلوبون للمؤامرات والجاسوسية التي تحاك ضدنا في منطقة الحدود فمن العاجل جدا أن نتخذ الإجراءات الضرورية لكي ننقذ العرب في المنطقة … إذا أخذنا في الاعتبار أهمية المنطقة زراعيا وصناعيا وخاصة بعد اكتشاف البترول , لقد اتخذت هذه الإجراءات من قبل السلطات والحزب لتنفيذ خطة الحزام :
ا-أصدر الرفيق محافظ الحسكة إنذارا نهائيا إلى للسكان الريفيين المزارعين والفلاحين والملاكين يمنعهم فيه زراعة واستثمار الأراضي المصادرة من منطقة الحزام .
ب- بدا مكتب الأراضي بتنظيم الأراضي المصادرة .
ج –بدا مكتب الإصلاح الزراعي باتخاذ الإجراءات لترحيل 4 الاف عائلة من منطقة الحزام إلى مناطق أخرى , لكن من جهة أخرى فان هناك حوالي 25 ألف نسمة داخل منطقة الحزام , مسجلين عند السلطات كأجانب .
فكر الحزب والحكومة في محافظة الحسكة بان هؤلاء الأجانب يجب أن يمنعوا من السكن في منطقة الحدود وان الطريق الصحيح لتحقيق هذا الغرض هو إجبارهم ومنعهم من الحصول على أية وظيفة لكي يهاجروا بالتدريج إلى البلاد الأخرى خلال خمس سنوات ويجب أن تستخدم القوة ضدهم إذا كان ذلك ضروريا .
د- أن الحزب ومكتب الفلاحين يحاولان أن يستخدما عناصر عربية شابة من بين الذين يؤمنون بالعرب وبالقومية العربية لكي يعملوا كعمال مسلحين في منطقة الحزام .
ذ-هناك صعوبة كبرى نظرا لتداخل الأراضي الزراعية المصادرة مع غيرها من الأراضي الخاصة , فمن اصل 497 قرية كردية موجودة في منطقة الحزام تم مصادرة أراضي 385 قرية وبشان الباقي نقترح :
– إصدار الحكومة لمرسوم تصادر فيه الأراضي الزراعية للقرى الأخرى .
– يجب توسيع منطقة الحزام لتشمل كل المنطقة الكردية مستقبلا .
– أن التجمع العرقي للسكان يجب أن يبدل بنقل أو نفي العناصر غير العربية .
– إنشاء قرى نموذجية للعناصر المهاجرة من قبل الدولة . .. ) .
وبنتيجة الفعل الشوفيني هذا تم إنشاء 33 قرية نموذجية إلى جانب القرى الكردية القديمة غيرت أسمائها لتوافق القادمين الجدد وطن فيها العرب مع الاستيلاء على مجمل الأراضي الزراعية في المنطقة , والأمر الذي فشل فيه العقل الشمولي هو عدم قدرته على تهجير السكان من مناطق سكناهم إلا بالحدود الدنيا.
أما التقرير الخاص بمنطقة عفرين والذي صدر في 13 حزيران 1966فقد أشار إلى أن ” المنطقة هادئة ونشاط الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يشكل خطرا كما هو الحال في الجزيرة ” وكانت توصية التقرير بعد دراسة الوضع الاجتماعي والزراعي في قرى منطقة عفرين تنبع من ” أن الغالبية العظمى من السكان هم أكراد إذ لا يفهمون العربية أبدا .. والعائلات العربية تعيش بينهم وتتكلم الكردية , معظمهم في جنديرس … لا يوجد شعور بالكراهية بين العرب والأكراد وان طبيعة هذا الشعب جيد وسلمي … انه من الخطأ أن نحاول التغلغل في المنطقة سياسيا قبل أن نعطي المواطن الفرصة ليصبح مواطن عربي عادي , وهذا الهدف غير مستجيل إذا طبقت الدولة الخطة الصحيحة … لم نقل أن لا نمارس زرع العرب في المنطقة ولكن يجب أن يكون مدروسا بشكل موضوعي ..”” .
3-سياسة التعريب والتبعيث :
إذا كان التبعيث سياسة عامة شملت كل مناحي المجتمع السوري وكائناته الحية , فان التعريب سياسة شوفينية عنصرية خص بها العقل العروبي المناطق الكردية , وشملت الحجر والبشر , من تغيير أسماء المعالم والقرى والبلدات الكردية إلى منع تسمية المواليد الجدد بأسماء كردية , مرورا بمنع التكلم باللغة الكردية وصولا إلى فصل الطلبة من المعاهد الدراسية , وفي هذا أيضا سأكون مختصرا على بعض التعاميم والقرارات التي حصلنا عليها وهي كما اعتقد غيض من فيض ينتظر زمنا أخر , ليكشف عنها النقاب بحثا وإظهارا لحقيقة التعامل البعثي مع شريحة قومية من شرائح المجتمع السوري , التي هي أحد مكونات هذا المجتمع , لها خصوصيتها القومية والثقافية ومعالمها الحضارية التي ما فتئت عقلية الاستئصال القومجية في تعريبها , نافضة غبار التاريخ وتراكماته عن أسماء عروبية كان لها ظرفها وتاريخها وما استحضارها سوى تمجدا بماض سحيق وإغفال للزملكان الذي تعيش , فالحاضر ليس فيه ما يدفع للعلا والإكبار , وفشل الحاضر واسوداد معطياته لا يغطيه نجاح الماضي وبهائه , وبالتالي أن إطلاق أسماء عربية تاريخية على معالم كردية لا يلغي تاريخها الكردي وانما يقلل من مصداقية الأثر العربي , وبذات الوقت فان إطلاق اسم مدينة محتلة عربية على قرية كردية منسية لن يحرر المدينة العربية , فإطلاق اسم حيفا على قرية كردية نائية لن يجعل منها استعاضة عن حيفا الضائعة , ونفي اسمها الكردي لن يخرجها من الذاكرة الشعبية الكردية , بمعنى كم هو مأساوي وكارثي أن يتحول الاسم إلى خطر يقض مضجع الذوات المتضخمة بعقيدة الأمة الواحدة ورسالتها الخالدة .
أن عقلية الذات البعثية اليقينية عبر استلاب تاريخية المكان الكردي تنفي يقينها نفسه وتعبر عن مدى تشظيها الفكري وبؤس وجودها العقائدي المفعم بشعارات قدسية , عمومية تلامس المشاعر وتعاكس الممارسة الفعلية القائمة التي فتت المجتمع السوري وكرست قطريته واستثمرت سياسيا قضايا الوطن واختزلت المواطنة إلى أرقام وتوابع وخطوط نهب للمال العام والخاص , وكانت منطقة الحسكة أحدى المحافظات العسكرية القوانين والتفتيتية الممارسات والتعريبية المضمون والشوفينية الهدف والمبتغى , فإضافة إلى الإحصاء والحزام هناك الكثير من قوانين الصهر القومي ومراسيم نفي التنوع والتعدد , لعل أيراد بعضها يلقي بعض الضوء على النهج الشوفيني المتبع في التعامل الرسمي مع المتمايز قوميا في سوريا :
1″- بناء على أوامر إدارية تم تعديل مخطط الدائرة الفنية في محافظة الحسكة بتاريخ 15/2/1978 حيث تم تعريب اسم 136 قرية وبلدة كردية.
2ً- قرار وزير الإدارة المحلية رقم 4524 تاريخ 20/12/1997 تم فيه تعريب اسم 104 قرية كردية في محافظة الحسكة.
3ً- قرار وزير الإدارة المحلية رقم 2123 تاريخ 5/5/1998 تم فيه تعريب اسم 120 قرية كردية في محافظة الحسكة .
4ً- قرار وزير الإدارة المحلية رقم 580 تاريخ 18/5/1998 تم فيه تعريب اسم 325 قرية كردية في مناطق عفرين والباب وعين العرب .
5ً- قرار محافظ الحسكة رقم 334 /لعام 1998 تم فيه تعريب اسم 209 قرية ومدرسة كردية في محافظة الحسكة .
6ً- تعميم وزير الداخلية رقم 122 تاريخ تشرين الأول 1992 القاضي بمنع تسمية المواليد الجدد بأسماء كردية .
7ً- تعميم سري من محافظ الحسكة مستند إلى قرار القيادة السياسية يحمل رقم 1865/س/25 تاريخ 1/11/1989 يمنع فيه التكلم باللغة الكردية وخاصة للموظفين , مؤكدا في متنه على ضرورة تنفيذ قرار سابق صدر بهذا الخصوص يحمل رقم 2013/س/25 تاريخ 11/11/1986 .
8ً- تعميم رقم 4/61/د تاريخ 10/2/1993 يقضي بضرورة تغيير أسماء المحلات التجارية الخاصة والعامة وإطلاق أسماء عربية عليها , المرفق بكتاب محافظ الحسكة رقم 1553 تاريخ 20/2/1993 المتضمن الطلب من الجهات المسئولة تنفيذ التعميم السابق .
9ً- كتاب محافظ الحسكة رقم 933/هـ تاريخ 24/2/1994 لتنفيذ كتاب وزير الإدارة المحلية رقم 13/61/1/د تاريخ 26/4/1987 القاضي بتعريب أسماء القرى والبلدات الكردية .
10ً- كتاب محافظ الحسكة رقم 5785/هـ/135 تاريخ 6/12/1995 القاضي بتنفيذ تعريب الأسماء الكردية .
11ً- كتاب محافظ الحسكة رقم 276/ب تاريخ 14/3/1996 بضرورة إغلاق المحلات التي لها أسماء غير عربية .
12ً- تعميم محافظ الحسكة رقم 7014/هـ تاريخ 3/10/1996 والمستند إلى كتاب فرع حزب البعث في المحافظة رقم 380/س تاريخ 29/9/1996 والقاضي بمنع التكلم بغير اللغة العربية .
13ً- كتاب المحامي العام العقاري رقم 287/ت ي 6 تاريخ 5-6-1996 الصادر عن المحكمة العقارية في القامشلي والقاضي بمصادرة البيوت والعقارات السكنية التي لا زالت مسجلة بأسماء أجانب الحسكة (المجردين من الجنسية بموجب إحصاء عام 1962 ).
14ً- قرار محافظ حلب رقم 786 تاريخ 20/4/2000 المستند إلى طلب الأمن السياسي رقم 1999 تاريخ 10/4/2000 القاضي بضرورة إغلاق محلات بيع أشرطة الكاسيت والفيديو الكردية في إحياء الاشرفية وشيخ مقصود .
15 ً- تعميم صادر عن محافظ الحسكة رقم 7889/ح تاريخ 15/10/1999 يتضمن مصادرة واتلاف أية وثيقة سورية (شهادات تعريف أو وثائق مماثلة ممنوحة من مخاتير القرى ) من مكتومي القيد استنادا إلى كتاب وزارة الداخلية رقم 567/س/4/9/611/د/18/س تاريخ 24/7/1986 .
16ً- تعميم وزير الداخلية رقم 1028/س تاريخ 31/12/2000 القاضي بضرورة التحقق من مسالة الحصول على بدل ضائع من الهويات وقد ورد في البند الرابع منه (.. أن لا يتم منح هوية جديدة للمواطنين من اصل كردي إلا بعد الحصول على موافق شعبة المخابرات العامة والأمن السياسي والأمن العسكري .. ) .
أما على صعيد الرؤية السياسية البعثية لتواجد ونشاط الأحزاب الكردية في سوريا فسأختصر الأمر بنشر قسم من التعميم الذي وزعه رئيس مكتب الإعداد الحزبي – احمد درغام – برقم 26/ص تاريخ 9/1/1989 , والذي قام بتعداد أسماء جميع الأحزاب الكردية ومن مختلف الاتجاهات الفكرية التي كان جامعها الوحيد هو أنها معادية للقطر والثورة و..( تتظاهر بالايجابية من النظام القائم ولكنهم في الحقيقة بعيدون عن الايجابية … وتلتقي الأحزاب والتنظيمات الكردية رغم تعدد أجنحتها حول هدف واحد هو إحياء القومية الكردية …) .
أن صيرورة التعامل الرسمي مع الوجود الكردي في سوريا المستندة إلى عصبوية متضخمة بالانا القومية ذات الطابع السكوني الرافض قبول الأخر فكرا كان أو عقيدة دينية أو تمايز قومي , ولذلك جاءت حملة التعريب هذه متكئة على فكر قوموي اختلق أنظمته التسويغية وخطابه الثابت الذي يتسم بالتكرار وينفي الجدل والحوار , حيث تختفي الأفكار من حيز التداول وتبقى العقائد عنفية الحلول والمطعمة بأداة تنفيذية لها جهازها الدعائي الإيديولوجي المسوغ لمفاهيمها في حلولها الاتباعية والتي يمكن تسميتها بالاستباقية لإنها مبنية على الانفعال والخوف من المتمايز الذي هو العدو الافتراضي والمشجب الرمزي التبريري للخطاب القوموي , هذا الخطاب الذي وفق الدكتور منير شحود في تعريفه : (… الخطاب القومجي, يتعالى ليتعامى, ويتعامى ليهتف بـ “مصالح الأمة”. إنها أمة صلصالية يشكلها ويفبركها على هواه ثم يتعبدها بلا خشوع, ويسلمها لأول غاصب).
ولعله في الحالة الكردية في سوريا أجاد الفعل القومجي عليها صهراً واذابة وهما عمليتان باتتا سمة وعنوان الثقافة السلبية التي زرعها ووزعها البعث في المجتمع السوري .
ثالثاً: تجاذبات الموقف بين الرؤية الرسمية وضبابية المواقف غير الرسمية في راهنية حل المشكلة :
أن ميراث أي نظام أو سلطة يتجلى فيما غرس في المجتمع من منظومات قيمية سائدة وكيفية توزع هذه القيم وما ترسخه من ثقافة اجتماعية وسياسية , وفي أي منحى تبحث هذه الثقافة وبأي معيار يمكن وسمها , أهي ثقافة الزيف والرياء والتسويف والتسويغ أم هي ثقافة الحقيقة المجسدة عقلانياً لمعنى الوجود والحق , وبالتالي فما تم غرسه في المجتمع السوري حيال الوجود الكردي في سوريا يتضمن كل شيء ما عدا الحقيقة والحق , وهو بات ثقافة مصمتة لها قواعدها الإرتكازية المبنية على تهويل المطلب الكردي ونفي الوجود الجغرافي وتصوير الحالة الكردية على أنها خطر قادم يستوجب قمعه وصهره .
أن الثلاثية الرسمية المتبعة في التعامل مع الوجود الكردي تتركز في الاستبداد ونفي الجغرافيا والتاريخ وما يستتبع ذلك من ملحقات تنفيذية , خلقت مشهدا عدائيا تجاه كل ما هو غير عربي في الساحة السورية , وكأن هذا الغير هو المسئول عن الفشل في التنمية أو الفشل في تحقيق الحرية وعدم إنجاز الوحدة العربية ؟ وهو ما يحدث إرباكا عند الحديث راهنا عن الموضوع الكردي في سوريا وخاصة لدى جهتين نافذتين في المجتمع السوري :
1- هي التي لا زالت تحت هيمنة النموذج السلطوي الوحداني النـزعة والتمثيل .
2- هي المفعمة بفكرة الأمة/العقيدة , أي التي تحولت لديها الأمة العربية إلى عقيدة إيمانية غير قابلة للحوار وبالتالي نافية لغيرها من القوميات الموجودة في سوريا .
هاتان الجهتان اللتان لا زالتا تعيشان عصر الشعارات الرنانة الطنانة المهترئة من كثرة تردادها , والتي تعود إلى حيز التداول الرسمي كلما تعرضت الانا الحاكمة إلى ضغوط داخلية أو إقليمية أو دولية .
أن التعامل الرسمي السوري مع الوجود الكردي منذ تبلور الوعي القومجي العربي كان سلبيا , عنفيا , بكل ما تحمله الكلمة من معنى , بدون أن تضع الرؤى القوموية في الاعتبار حقائق الجوار والتعايش المشترك , ولا مفهوم الوطن المشترك ودلالة الانتماء إليه ومستوى العلاقة الحاضنة للوحدة والاختلاف , من حيث أن مفهوم الوطن يحيل إلى كلية الانتماء والى جماعية الإرث الحضاري لشرائحه وأطيافه القومية والفكرية والدينية , وكانت الاستراتيجية القوموية في صهر المختلف تتم بالاعتماد على الحل الأمني المؤدلج بكليانيته , والذي يبيح في مضمونه استخدام كل إشكال العنف المنظم ضد المتمايز قوميا , والتعامل العنفي مع الأخر هو تدميري بحد ذاته , بمعنى انه لا يحمل أية سمة تأسيسية لمؤسسة الحق العام أو الخاص , ناسفاً لمعنى الوطن ومدمراً وحدته الوطنية , وبالتالي أنتج هذا التعامل ذاته , مسوغا أفعاله القطعية الكارثية , معمما إياها في المجتمع لتغدو إيديولوجيا يقينية تحل محل الحقيقة وتبتعد عن مؤسسة الحق , وينقسم المجتمع بنتيجتها إلى خطوط أفقية وعمودية مكونة حواجز اجتماعية وثقافية وسياسية , تخلخل بناء ذلك المجتمع وتفصل بين فعالياته وشرائحه القومية المكونة لذلك البناء عن بعضها البعض , وهو ما ينهي المجتمع كفضاء حيوي تتجاور وتتفاعل وتتساكن فيه ” الأفكار والأعراف والقيم ” , مما يؤدي إلى إنهاء أي دافع تطوري لذلك المجتمع وإخراجه عن أي مسار حضاري بحكم القطيعة مع مكوناته أولا , والتعامل السلبي ” العنفي ” مع فعالياته ثانياً , وصيرورة خوصنة المجتمع خدمة لمصالحه الخاصة ثالثاً .
أن ما فعلته ولا زالت السياسة الشوفينية الرسمية تجاه الوجود الكردي في سوريا , وإنكار حقه في الحياة كمجموعة قومية مختلفة , هي محاولة دائمة لإفقاد هذا الشعب حق المواطنة في أرضه , وجعله مجرد تابع عددي , رعية لا شان داخلي لها ولا هوية ثقافية تستند إليها , وهذه السياسة القومجية تعتبر نمط الغائي للمشروعية السياسية لوجود أي شعب نظرا لأنها تنكر الحق الجغرافي وتميع الحق الإنساني , وبالتالي يفقد أي شعب سلامه الإنساني والمادي مما يعطيه مسوغ انطلاقة تحرره الوطني دفاعا عن وجوده الذي هو من بديهيات حقوق الإرادة الحرة لأي شعب من الشعوب .
ومن المؤسف أن الرؤى السلطوية وعبر ماكينة دعائية وتخويفية كبيرة قد وضعت الكثير من الخطوط الحمر إمام القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى في سوريا , لا تستطيع تجاوزها إلا بالقدر الذي يسمح به فرجار السلطة نفسها , لذلك نجد بان أغلبية هذه القوى سواء التابعة لحزب البعث في الجبهة القائمة , التي هامش رؤيتها السياسية يتكون عبر السياسة الرسمية ولا تمتلك أي أفق سياسي مختلف إلا بالحد الذي يسمح لها به حزبها القائد , أو التي موجودة خارج السلطة والتي لا زالت حتى الآن تعاني الكثير في طرحها السياسي وشكل تعاملها مع قضية قومية موجودة , لم تعد المرحلة الراهنة بتجلياتها الإقليمية تسمح بالتعميم عليها أو تجاهلها , وفي أحسن الأحوال تطرح هذه القوى مواقف خجولة تنحصر في مسالة إعادة الجنسية للمجردين الكورد منها , ولكنها لا تستطيع ملامسة جوهر القضية كقضية قومية تمتلك حقها الجغرافي وإطارها الإنساني , وليس لديها أي تصور عن آلية ولا عن كيفية إعادة الحق إلى أصحابه , ولا كيفية ترميم ما خرب من بنى وعلاقات بين الشعبين العربي والكردي , بمعنى لا شفافية في طرح هذه القضية , لذلك تبقى مصداقية الطرح السياسي هذا نسبية تتعلق بميزان الخسارة والربح , وللتاريخ يعتبر حزب العمل الشيوعي هو الوحيد الذي توقف حول هذه القضية وعالجها بمنتهى الجرأة والمبدئية ” بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معه في حلوله المطروحة ” , ومؤسف أن هناك قوى أساسية في المعارضة تنكر الوجود القومي الكردي في سوريا وتسوغ الراهن القائم متكئة على مفرزات استعمارية وما فعله سايكس وبيكو ؟ بمعنى انه طالما وهبنا سايكس وبيكو هذا الجزء الكردي فهو ملك لنا بأرضه وناسه الذين من حقنا تعريبهم وصهرهم في بوتقة قوميتنا العربية ؟ لا ضير حقيقة في هكذا طرح كارثي لو كان صدر عن قوى سلطوية عتيقة بأوهامها القوموية بحكم أنها تماهي ذاتها بقوى استعمارية سابقة , ولكن يشكل غصة لأنه صدر عن قوى تتبنى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان , ما أريد قوله هنا هو عدم امتلاك القوى المناضلة من اجل الديمقراطية في سوريا برنامجا واضحا وصريحا يظهر موقفها السياسي وبرنامجها العملي لحل إشكالية التعدد القومي والثقافي والاجتماعي والسياسي في المجتمع السوري .
إذا هناك سياسة رسمية شوفينية , عنفية , وهناك إنكار انوي متضخم بالانا القومية , يجتمع الاثنان راهنا في فضاء الفراغ وهوامش حركة الفعل المجتمعي من جهة , وتطورات وتداعيات الفعل الدولي والإقليمي من جهة أخرى , وبين هذا وذاك نبحث نحن أبناء الشعب الكردي في سوريا ويدا بيد مع العديد من القوى والفعاليات السورية عن هوية وطنية سورية عامة تحترم ذاتها وتمتلك القدرة على نقد أفكارها وممارساتها , ساعية إلى تجسيد التمفصل بين الخاص والعام , بين الجزء والكل , بين الجزء القومي والكل الوطني , الذي لا أجد تعبيراً مناسباً له سوى في مجتمع مدني يمتلك ثلاثيته المجسدة للحق والقانون والمواطنة , وينتفي في ظله التقسيمات العرقية والمذهبية , وتكون الهوية المنبثقة عنه حاضنة مناسبة ليمارس كل جزء وكل طيف , خصوصيته القومية أو الدينية , هذه الخصوصية التي ترفد وتزين العام الوطني وتكون ركيزة قوة ومتانة لوحدة المجتمع السوري وتطلعات أبناءه , والخصوصية التي اعني هي التي تكمن في ثقافة وحضارة وطبيعة الحياة الاجتماعية , أي الأسس التي تحدد معالم الهوية الذاتية والمجسدة للشخصية الثقافية للشعب الكردي أو سواه من قوميات وأقليات المجتمع السوري .
طبيعي أن الراهن القادم يفرض على القوى والفعاليات التي يهمها حماية الوطن السوري ومصلحة شعبه أن تبادر إلى اعتراف صريح بالواقع العياني واعتماد الحل السلمي الديمقراطي لمجمل قضايا المجتمع ومن ضمنها قضية القوميات الموجودة دون التدثر بعباءة فكروية قومجية ترى تاريخا توهمته وتحاول أن تصدق ما توهمته , وهكذا تاريخ قال عنه جوستاف لوبون ” لو نطقت الحجارة لكان التاريخ مجرد كذبة كبرى ” .
اعتقد بأنه من الضرورة راهنا هو العمل معا عبر تغيير البنية المفهومية التي بني عليها خطاب الإقصاء , بمعنى تغيير الأدوات المعرفية ومن ثم محاولة القراءة النقدية لواقعنا , هذه القراءة التي اعتقد بأنها يجب أن تستند إلى أسس منهجية مدنية لها أدواتها العقلانية التي تتمركز في الفضاء السوري وبمرجعية وحيدة هي مصلحة المواطن السوري , ما اعنيه هو التكاتف لانسنة الواقع الذي نعيش وإبراز التعدد الثقافي والاجتماعي والسياسي والقومي الموجود فيه , لأنه صمام أمان الوحدة الوطنية وجدار المقاومة الوطنية الأول , وطبيعي أن هذا الإبراز يحتاج إلى مجتمع مدني أولا وأخيرا , بحيث يمتلك فيه الفرد السيادة على أفكاره وإعماله , وقادر على ترجمتها وممارستها على ارض الواقع بشفافية وعقلانية في إطار النسيج الاجتماعي للمجتمع الواحد .
16-12-2003
مواضيع ذات صلة
اكتب تعليق
لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.