طوني عيسى:دمشق و«حزب الله» والمواجهة مع المليون فلسطيني
ليس بسيطاً ما جرى في اليرموك. النظام لا يستطيع تحمّله، ولا حلفاؤه اللبنانيون. وبين 650 ألف فلسطيني في سوريا، و350 ألفاً في لبنان، هناك استحقاق التعاطي مع مليون فلسطيني: المواجهة أم الاستيعاب؟
عندما إنفجر الوضع في اليرموك، تبيَّن لنظام الرئيس بشّار الأسد أن معركته في الدفاع عن العاصمة ازدادت صعوبة. وإذ كانت المواجهة محض سورية بين الجيش النظامي و”الجيش السوري الحرّ”، فهي باتت فلسطينية أيضاً. ومخيم اليرموك الذي يضم نحو 300 ألف فلسطيني سقط في يد “الجيش الحرّ”، مدعوماً من “حماس” و”الجهاد” والجناح المنشقّ عن الجبهة الشعبية – القيادة العامة، بعد خروج أمينها العام أحمد جبريل من المخيم إلى طرطوس.
ويتردّد أن “الجيش السوري الحر” تَلقّى في المخيم دعماً بالسلاح والذخائر، من المستودعات التي في داخله، إضافة إلى شحنات وصلت إلى المخيم من أحد الموانئ السورية القريبة من الحدود مع تركيا. كما وصل إليه مقاتلون فلسطينيون من مخيمات لبنان. ووفقاً لبعض المصادر، إن هذه المعلومات تبلَّغها النظام وحلفاؤه اللبنانيون، وجرى بعدها الاتفاق على صيغة للتهدئة في المخيم ومحاولة تحييد العنصر الفلسطيني عموماً عن المعركة.
لكن النظام وافق مرغماً على اتفاق التهدئة في اليرموك. فهذا الاتفاق الذي رعته سفارة فلسطين، أقرّ بإبعاد الجيش النظامي عن المخيم مقابل تحييده عسكرياً. ومنح حركة “حماس” وتنظيم “الجهاد” صلاحية إدارة الشؤون الحياتية في المخيم. وهذا يعني عملياً أن اليرموك بقيَ عسكرياً في يد المعادين للنظام، واستعادت فيه “حماس” حضورها بعد خروج قياداتها من دمشق، وإعلان خالد مشعل موقفه الداعم للثورة في سوريا.
فالنظام يحاول تحييد 650 ألف فلسطيني يتوزّعون على المخيمات العشر وفي خارجها، في إنحاء سوريا كافة. وبين هؤلاء أكثر من 450 ألفاً يتوزعون بين اليرموك وخمسة مخيمات أخرى في دمشق وضواحيها. كما يحاول الحفاظ على الحدّ الأدنى من العلاقة مع “حماس”، الفصيل الفلسطيني الأوسع تمثيلاً للفلسطينيين، ولو كانت الحركة تتماثل عقائدياً وتتقارب سياسياً مع “الإخوان السوريين” في سوريا. فقطْعُ العلاقة بها يقطع العلاقة مع القضية الفلسطينية التي لطالما رفع النظام شعار الدفاع عنها. كما أن القطيعة مع “حماس” تعني القطيعة مع أنظمة عربية يصعد فيها “الإخوان” أو وصلوا فيها إلى الحكم، وأبرزها مصر. ومن شأن القطيعة أيضاً، في ظل تحالف إستراتيجي مع إيران، أن تزيد من عزلة النظام عربياً وإسلامياً. فالعلاقة مع “حماس” تبقى للنظام صكّاً يخفّف من وطأة التهمة بأنه مذهبي.
وجهاً لوجه في المعارك
هذا الأمر ينطبق أيضاً على “حزب الله”. فمنطلقات “الحزب” للحفاظ على “شعرة معاوية” مع الفصيل الفلسطيني هي إياها تقريباً، على رغم المواجهة العسكرية التي يتقابل فيها الطرفان على الأرض السورية. فهناك تقديرات بمشاركة نحو ثلاثة آلاف فلسطيني في المواجهات السورية الميدانية. وهؤلاء يقابلهم، في المقلب الآخر من الجبهة، مقاتلون من “حزب الله”. وهذه المواجهة غير المباشرة لا يريدها “الحزب” الذي يحافظ حتى اللحظة على علاقة مع “حماس”، لا يُفسدها اختلاف التموضع السياسي في سوريا. والأمر هنا شبيه بالعلاقة بين “الحزب” والنائب وليد جنبلاط.
ويدرك “الحزب” أن دخوله في القطيعة مع “حماس” سيحوِّل الفلسطينيين في لبنان ومخيماتهم لغماً يمكن أن ينفجر في أي لحظة، ويفجّر معه الوضع اللبناني الهشّ. وغنيّ عن التعريف مدى التقارب بين “حماس” والتنظيمات الفلسطينية الإسلامية من جهة، والقوى الإسلامية السنيّة اللبنانية من جهة أخرى، ولا سيما في طرابلس وبيروت والبقاع وصيدا وإقليم الخروب.
فليس في مصلحة “الحزب” فتح أزمة مع “حماس”، من شأنها أن تدفع الفلسطينيّين في لبنان، بالترسانة داخل المخيمات وخارجها، كالناعمة وقوسايا، إلى مواجهة معه. ومعركة الجيش اللبناني في مخيم واحد هو نهر البارد بدت أكلافها باهظة. وهذا نموذج.
وكما يتجنّب النظام المواجهة مع 650 ألف فلسطيني في سوريا، فإن “حزب الله” يتجنّب المواجهة مع 350 ألفاً في لبنان. والأحرى هو أن النظام وحلفاءه اللبنانيين يتجنّبون أن “يضعوا في ظهرهم”، “مليون عدوّ” في لبنان وسوريا، لأن المعركة إذا فُتِحت هنا ستنتقل إلى هناك، والعكس صحيح. والفتيل الكفيل بنقل الشرارة هو على حدّ سواء: اللاجئون إلى لبنان، واللبنانيون العابرون إلى أحضان المعركة في سوريا، سُنَّة وشيعة. ولذلك، أعطى “الحزب” تعليماته الداخلية لتجنّب شنّ أي حملة على “حماس”. ولم تنقطع حتى اليوم الاتصالات بينه وبين الحركة.
ولكن، هل سينجح مسعى النأي بالنفس والاستيعاب، أم ستأكله النار السورية المستعرة؟
المراقبون لا يتفاءلون كثيراً لا بدوام التهدئة في اليرموك، ولا بقدرة المتداخلين في المعارك السورية على “الاختباء منها”. وإنطلاقاً من ذلك، هناك احتمالات كثيرة متوقعة، وكلها مخيفة.
المصدر: صحيفة الجمهورية
مواضيع ذات صلة
اكتب تعليق
لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.