تاريخية الوجود الكردي في سوريا (1):
تاريخية الوجود الكردي في سوريا (1):
شكلت سوريا بموقعها الجغرافي بقعة مهمة للكثير من الحضارات القديمة , وشكلت موزاييكا بشريا غنيا ضم ثقافات واديان ومذاهب وشعوب مختلفة , كالعرب والكورد والأرمن والآشوريين وغيرهم الكثير , وقد أكدت الأبحاث الأثرية المتتابعة , أن بلاد ما بين النهرين ( ميزوبوتاميا ) هي مهد الحضارات البشرية القديمة , ومن تلك الكتل البشرية , يأتي الشعب الكوردي كأحد أقدم الشعوب التي سكنت المنطقة وساهمت بدورها في نشوء وتطور حضارات المنطقة منذ الألف السادس قبل الميلاد. ,والأكراد يعتبرهم أغلبية المؤرخين والمستشرقين عبارة عن مجموعة بشرية تنحدر أصولها عرقيا ولغويا من أصول هندو-أوربية , تقطن مرتفعات أسيا الغربية المحصورة بين إيران والعراق وتركيا وسوريا وجنوب أرمينيا , وهذه الدول يعتبر بعضها حديث التكوين جغرافيا كسوريا والعراق , وبعضها امتداد لإمبراطوريات غابرة كتركيا وإيران , وإذا كنا نود التوقف من بين كتلة هذه المواضيع المتعلقة بالمسالة الكردية على مسالة الوجود الكردي في سوريا وتاريخية هذا الوجود , وجب بداية أن ننوه إلى سايكس وبيكو وما فعلاه من تخطيط وتقسيم للمنطقة , أنتج حدود جغرافية سرعان ما اكتسبت الصفة الدولية , رغم أنها لا تخضع ولا تعبر عن الوجود القومي أو الكتل البشرية القاطنة في المنطقة , إنما تم التقسيم وفق منطق المصلحة الاستعمارية وهو ما أوقع قسم من الشعب الكردي ضمن حدود سوريا الحديثة , وسأورد هنا باختصار دون نبشا لغبار التاريخ بعضا من وقائع ودراسات وأدلة وخرائط تاريخية تشير إلى تاريخية الوجود الكردي في هذه المنطقة الجغرافية التي ضمت إلى سورية بفعل ترتيبات السايكس بيكويه ووفقا لمعطيات النظام الدولي آنذاك , والذي اخذ شكله النهائي بعد سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات .
يؤكد معظم الباحثين والمؤرخين أن أجداد الأكراد الأوائل هم خليط من شعوب ” الهوريين والسوباريين والميتانيين والميديين ” ولعل تمازج هذه الشعوب واندماجها معا أوجد الشعب الكردي , أو وفق ما قاله (دافيد مكدويل ) ” أن الشعب الكردي هو كل هؤلاء، في رأيي، والذين لديهم شعور مشترك بانتمائهم إلى الهوية الثقافية الكردية، نتيجة لعيشهم في بيئة واحدة “
– أول ذكر للأكراد في القرن الثاني قبل الميلاد وكان باسم ” كردي cyrtii وفي هذا يقول المؤرخ السير سيدني سميث ” أن السوباريون كانوا يقطنون منطقة شمالها بحيرة وان وشرقها كركوك وجنوبها بابل وغربها وادي الخابور ” والسوباريون ذاتهم عرفوا باسم الهوريين في القسم الغربي من نهر الفرات , ودانت لهم السيطرة على القسم الأكبر من سوريا في القرن 18 ق.م , حتى أن المصريين القدماء كانوا يطلقون على سوريا اسم بلاد “هورو “.
الكاردوخيين الذين تكلم عنهم (زينوفون ) في روايته عن الانسحاب اليوناني عبر كردستان إلى البحر الأسود 401 ق.م حيث واجهوا فرسانه العشرة آلاف وكانوا ذو باس شديد واصفا طريقتهم في القتال .
– العالم هورست كلينكل يقول ” أن الهوريين بدؤوا في الظهور في سوريا منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد .
عالم الآثار البروفسور جورجيو بوتشيلاني اكتشف أن الآثار التي وجدت في تل موزان قرب مدينة عامودا تعود إلى ملوك الهوريين وان التل المذكور هو ” اوركش ” عاصمتهم ما بين 2300-2500 ق.م , وكانت جبال زاغروس تحدهم شرقا وجبال ماردين شمالا ونهر الخابور غربا. في القرن السادس عشر قبل الميلاد بدا اسم الميتانيين كعرق هندو أوربي بالظهور بعد أن أسسوا مملكتهم التي كانت تسمى ” بالمملكة الهورية الميتانية ” والتي دلت الحفريات على أن عاصمتها كانت ” اشي كاني ” الواقعة في موقع تل الفخارية المحاذي لبلدة راس العين , وهي المملكة التي انحصرت بين نهري الفرات غربا والخابور شرقا , وفي امتزاج الهوريون بالميتانيين يقول الدكتور فيليب حتي ” كان الهوريون في هذه المملكة يشكلون أكثرية السكان ولكن الأرستقراطية كانت من الآريين ” والجدير ذكره أن هذه المملكة بلغت أوج قوتها عام 1450 ق.م عندما احتلت عاصمة الآشوريين التي بقيت خاضعة لنفوذ الهوريين من 1450-1375 ق.م , ويقول الدكتور توفيق سليمان ” أن هذه المملكة امتدت من اروافا في مقاطعة كركوك الحالية شرقا وحتى إمارة ” موكيش ” في الجنوب الغربي من حلب ” .
– إمبراطورية ميديا التي سيطرت منذ عام 612 ق.م على كامل المنطقة ويضمنها أيضا منطقة الآشوريين واخترقت حدودها نهر دجلة إلى الشمال من مدينة أكاد , وفي قوس كبير اتجهت شمالا من أشور والموصل ثم بشكل منحني غربا باتجاه شمال سوريا الحالية لتجتاز حدود الإمبراطورية نهر الخابور , مرورا بالقرب من جبل عبد العزيز (جنوب غرب الحسكة ) إلى نهر الفرات غربا.
– الآثار المكتشفة في محافظة الحسكة (تل شاغر بازار-تل براك –تل الفخارية – تل موزان .. الخ ) تؤكد أن هذه المحافظة كانت موطن تاريخيا لأجداد الأكراد من الهوريين والميتانيين , حتى أن منطقة عفرين أيضا لا زالت تحتضن احد أنبياء الهوريين والذي ضريحه قائم ويعرف باسم ” النبي هورو ” .
– بعد ظهور الإسلام واعتناق أغلبية الأكراد له , ساد الدين كجامع لمجموعة الشعوب القاطنة في المنطقة , وتأسست وفقا لذلك إمارات متعددة بعضها يعنينا ومنها :
– أولها الدولة الأيوبية وكانت كل هذه المناطق تحت سيطرتها .
– إمارة جانبولات عام 1607 م , والتي تمركزت في ” كلس ” شاملة جبال الأكراد ومنطقة عفرين برمتها .
– إمارة بدرخان باشا 1812-1848 م , كان مركزها بوطان وشملت ما يعرف اليوم بمنقار البطة وكامل الجزيرة السورية حاليا .
إمارة إبراهيم باشا الملي والتي امتدت لمسافة 50 كم جنوب بلدة راس العين وحتى نهر الفرات غربا .
– الكاتب الدانمركي كريستين نيوبوهر وزع خريطة حول رحلته عام 1764 م إلى منطقة الجزيرة في سوريا مؤكدا في خريطته تلك على وجود أربعة عشائر كردية هي الملي-الكيكان-الدقورية-الاشيتي , وهذه العشائر لا زالت متواجدة في نفس مناطق سكناها الموضحة في تلك الخريطة .
الرحالة الفرنسي ” فولني ” في كتابه الصادر عام 1870 توقف مطولا حول العشائر الكردية المتواجدة في جبل الأكراد.
– أول خريطة تضمنت تعريفا بالكورد وبلادهم هي خريطة محمود الغشقري عام 1076 م .
– ب.روندوت في كتابه ” الأكراد في سوريا ” يؤكد بان بعض العشائر مثل الكيكان كان موجودا في المنطقة قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي وإنشاء الدولة الأيوبية , أي قبل عام 1200 م , وهو ما أكده المسعودي في كتابه التنبيه ص 88-89 , علما بان هناك الكثير من المعالم الطبيعية والجغرافية المهمة لا زالت تعرف باسم هذه العشيرة أو تلك .
– روندوت وفي نفس الكتاب السابق يحدد أماكن تواجد الأكراد في سوريا بثلاث مناطق , الأولى من دجلة وحتى الخابور بطول 250 كم وعمق 30 كم , والثانية حول نهر الفرات بطول 60 كم وعمق 5 كم والثالثة كامل منطقة جبل الأكراد قرب حلب .
احمد مصطفى زكريا في كتابه ” عشائر الشام ” 1917 يقول :… على أن السواد الأعظم من عشائر الأكراد يقطن محافظة الجزيرة ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب نهر دجلة ويتجه نحو الغرب إلى قضاء القامشلي ثم إلى ناحية راس العين ” ويعدد الكاتب أسماء العشائر بالترتيب .ص 658-664 .
-في كتاب تاريخ العرب الحديث والمعاصر الذي كان يدرس لطلبة الثالث الثانوي الأدبي حتى عام 1976 وردت خريطة واضحة وصريحة تبين الامتداد الكردي في الجزيرة ص 52 :
– أول تقسيم فعلي لكردستان حصل عام 1516 م اثر سلسلة المعارك المذهبية بين العثمانيين والصفويين , حيث بقي قسم تحت السيطرة الصفوية . بعد اتفاقية سايكس – بيكو لتقاسم وتوزيع التركة العثمانية , قسمت كردستان العثمانية إلى ثلاثة أجزاء , الحق كل جزء منها بدولة حديثة التكوين ومنها الجزء الذي الحق بسوريا , وكان أول ضم لجزء كردي إلى سوريا في اتفاقية سان ريمو 19-26 نيسان عام 1920 بين الفرنسيين والأتراك , أما المناطق الثانية ضمت عام 1921 , وبناء على ذلك خططت الحدود أول مرة في اتفاقية لندن 9/3/1921 , وهذه الاتفاقية عدلت مرتين , المرة الأولى في أنقرة 20-11-1921 والثانية في جوفنان 1926 , رغم ذلك الحدود لم تأخذ شكلها النهائي إلا في عام 1939 عندما وهبت فرنسا لواء اسكندر ون إلى تركيا ومقابل ذلك أقرت تركيا ضم المناطق الكردية الثلاث إلى سوريا , ويمكن في ذلك العودة إلى مطالبات الوطنين السوريين إبان العهد العثماني التي لم تكن منطقة الجزيرة في أي يوم من الأيام من جملة مطالبهم , وبالتالي فنحن أصحاب جزء كوردستاني الحق بسوريا عبر اتفاقات وصفقات دولية .
أن النذر اليسير الذي أوردناه عن الوجود التاريخي للشعب الكردي في سوريا يكفي لأي عاقل بان يدرك بأننا لسنا دخلاء على المنطقة أو مجموعة مهاجرين عبروا الحدود خلسة , وإنما نحن جزء طبيعي من المنطقة ومكون فاعل في تاريخها وتمازجها الحضاري , وإذا كانت الجغرافيا السياسية والاستبداد المزمن قد أديا إلى حرماننا لحقوقنا ومحاولة تغييب وجودنا فهذا ليس دليلا على عدم وجودنا كشعب وقضية في سوريا .
مواضيع ذات صلة
اكتب تعليق
لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.